
مدير منظمة الأغذية: المؤشرات تظهر أننا لم نشهد الأسوأ بعد ما لم تكن هناك معالجة جذرية للأزمة
قمة الغذاء العالمية بالأمم المتحدة تشيد بما قامت به مصر من إجراءات أكثر فاعلية لحماية ملف الأمن الغذائى لديها
«فاو» تحذر من تعرض شعوب 19 دولة لخطر شح الغذاء ووفاة نحو 970 ألف شخص بسبب الجوع
معاناة 828 مليون شخص فى العالم منهم 141 مليوناً بالمنطقة العربية
دول الخليج تخصص مليارات الدولارات لكبح جماح ارتفاع أسعار الغذاء.. والأزمة تتفاقم فى الصومال والسودان واليمن ولبنان
العراق يدفع فاتورة التغيرات المناخية وتونس تلجأ إلى مؤسسات التمويل الدولية والجزائر توقف التصدير
ككرة الثلج تدحرجت، أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية فى العالم بعنف فى السنوات الأخيرة، ولا تزال تتفاقم على الرغم من جهود كبيرة تبذل من قبل الحكومات وقادة العالم للحد من تداعياتها، ووفقا لدراسة أجراها «برنامج الأغذية العالمى» فإن ما يقرب من 828 مليون شخص، منهم 141 مليونا فى المنطقة العربية، يعانون بشدة من ارتفاع أسعار مواد الغذاء.
وبسبب ندرة المنتجات الزراعية نتيجة شح مياه الأمطار والجفاف الممتد تارة أخرى، ارتفع تعداد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد من 135 مليونا عام 2019، إلى 345 مليونا فى عام 2022، وهناك نحو 50 مليون شخص فى 45 دولة على شفير الموت جوعا فى أمريكا اللاتينية، وهاييتى مرورا بإفريقيا الوسطى والسودان، ثم شرقا إلى القرن الإفريقى واليمن، وصولا لسوريا والعراق وأفغانستان، حيث تتسع هذه الحلقة، حيث تدفع التغيرات المناخية وتداعيات جائحــــــة كورونا، والنزاعـــات السياسية فى العالم بملايين الناس لخطر انعدام الأمن الغذائى.
منذ مطلع الألفية الجديدة، وشعوب العالم تعانى من ثلاث كوارث ممتدة، الأولى: ظاهرة التغيرات المناخية وتأثير الاحتباس الحرارى على البيئة، وما نتج عنها من جفاف مناطق شاسعة من العالم، وسيول مدمرة فى مناطق أخرى أدت إلى إتلاف مساحات شاسعة من الأراضى، ومعاناة ملايين الناس من أزمات غذائية طاحنة، والثانية، «جائحة كورونا»، التى ضربت العالم منذ مطلع 2020، وما ترتب عليها من زيادة الآثار الوخيمة، نتيجة الإغلاق والقيود التى تم فرضها على حركة السفر ونقل البضائع، والكارثة اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فى فبراير 2022، وما يتبعها أيضا من آثار سلبية، كانت ولا تزال أكثر قسوة وضراوة على غالبية دول العالم، حيث أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات والمواد الغذائية والأسمدة، وكذلك زيادة أسعار الطاقة من نفط وغاز وكهرباء، ناهيك عن الاضطرابات فى سلاسل الإمداد، مسببة موجة تضخم عالمية غير مسبوقة، ولا تزال آخذة فى التفاقم.
ودقت منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمى ناقوس الخطر من مجاعة كارثية تهدد العديد من الدول جراء الأزمات الاقتصادية والمناخية، حيث حذرت من وجود 19 دولة فى العالم تتعرض شعوبها لخطر المجاعة فى الوقت الراهن منها «الصومال واليمن وأفغانستان وإثيوبيا والسودان». وقدرت وفاة 970 ألف شخص بسبب الجوع. وقال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذى لبرنامج الأغذية العالمى: «كل المؤشرات تظهر أننا لم نشهد الأسوأ بعد». وأوضح أن الأمور ستزداد سوءا فى السنوات المقبلة ما لم يكن هناك جهد واسع النطاق ومنسق لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.
إجراءات عاجلة
وأمام ذلك المثلث المرعب لنقص الغذاء، اتخذت حكومات العالم عددا من الإجراءات والقرارات للحد من تأثيرات أزمة الغذاء على مواطنيها كالاستعانة بمؤسسات التمويل الدولية، لتأمين الاحتياجات الأساسية من الغذاء والحد من الارتفاع الكبير فى أسعارها، كما ذهبت بعض الدول إلى وقف تصدير بعض السلع الإستراتيجية لتحقيق الاكتفاء، وحتى أوائل يونيو الماضى، فرضت 34 بلدا قيودا على الصادرات من المواد الغذائية والأسمدة الذاتى، منها الهند التى فرضت قيوداً على صادراتها من القمح والأرز والسكر، وأيضا إندونيسيا، قيدت صادرات زيت النخيل، كذلك كازاخستان وكوسوفو وصربيا أوقفت صادرات القمح، وباكستان منعت تصدير السكر، وماليزيا أوقفت صادرات الدواجن، والأرجنتين لحم البقر، وسبق للبنك الدولى أن حذر من كون الإجراءات الرامية إلى الحد من الصادرات لها انعكاسات وخيمة وتأثير كبير على زيادة أسعار المواد الغذائية عالميا مما يزيد الأزمة سوءًا.
كما اتجهت بعض الدول الغنية، إلى تخصيص مبالغ مالية ضخمة لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار على شعوبها، وزيادة المخزون الإستراتيجية من المواد الأساسية والطاقة، والتأكد من توفرها منها دول الاتحاد الأوروبى خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا ولم تختلف الصورة كثيرا فى الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية، التى لجأت إلى الاستعانة بمخزونها الإستراتيجى من النفط للحد من ارتفاع الأسعار على مواطنيها.
ولم تكن المنطقة العربية بعيدة عن عاصفة أزمة الغذاء، التى تضرب العالم فقد سبق لمديرة صندوق النقد الدولى، كريستالينا جورجيفا، أن أعلنت خلال مؤتمر عقد فى العاصمة السعودية الرياض، أن «نحو 141 مليون شخص فى العالم العربى، معرضون لانعدام الأمن الغذائى خلال الفترة المقبلة، والغالبية فى دول اليمن والصومال وجنوب السودان»، وهناك جهود كبيرة تبذلها بعض الحكومات العربية، لمنع تفاقم الأوضاع ولدعم شعوبهم فى مواجهة الأزمة العالمية.
جهود استثنائية
تأثرت الدولة المصرية بالأزمة، عقب اندلاع النزاع الروسى – الأوكرانى، لاسيما أن غالبية وارداتها من القمح من هاتين الدولتين، وسارعت الحكومة بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى، لإصدار حزمة من القرارات بهدف الحفاظ على أمنها الغذائى، وحمايته من لهيب ذلك الصراع، فعمدت لشراء القمح من موردين آخرين، كما عمدت لتأمين توازنها من السلع الإستراتيجية واحتياجاتها الغذائية، فأوقفت تصدير “الفول والعدس والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، والمعكرونة أيضا. كما تبنت مصر مبكرا عدد من الإستراتيجيات لدعم الأمن الغذائى، منها التوسع فى استصلاح الأراضى فى مناطق الدلتا الجديدة، وتوشكى وجبل العوينات، وسيناء وإنتاج أصناف جديدة متحملة للظروف المناخية المعاكسة والاهتمام بالتحول الرقمى، وأنظمة الإنذار المبكر والتحول من الرى بالغمر إلى الرى الحديث، والتطبيقات الذكية فى الزراعة والتوسع فى تجربة الحقول الإرشادية، ومشروع صوامع التخزين للحفاظ على مستوى آمن من احتياطيات السلع الغذائية، وضمان احتياطى لا يقل عن 6 أشهر منها، وزيادة منافذ التوزيع، والحرص على أن تكون الأسعار مناسبة وفى متناول الجميع.
إشادة دولية
كل تلك الجهود وغيرها، التى تبذل من قبل الحكومة المصرية كان لها مردود إيجابى من قبل المؤسسات الدولية التى تتابع عن كثب ما تقوم به دول العالم فى مواجهة الأزمة، ففى خلال فاعليات الدورة الخمسين للجنة الأمن الغذائى، التى انعقدت منتصف أكتوبر 2022، بمقر منظمة الأغذية والزراعة بالعاصمة الإيطالية، أعربت سالفيا لوبينز إكرا، نائب مدير مركز قمة الغذاء العالمية بالأمم المتحدة، عن تقديرها لما تقوم به مصر من إجراءات وقالت: “أن الأزمات المتلاحقة التى تواجه توفر الغذاء خصوصاً للدول والفئات الأكثر احتياجا، لابد أن تواجه بأسلوب أكثر احترافية، وأن مصر قد اتخذت إجراءات أكثر فاعلية، لحماية ملف الأمن الغذائى والعمل على تنفيذ مخرجات قمم الغذاء، خصوصا قمة الغذاء الأخيرة بكل مساراتها.
كما أعرب ديفيد نابرو، عضو لجنة التعامل مع أزمات الغذاء بالأمم المتحدة، عن سعادته لما قطعته الدولة المصرية فى الآونة الأخيرة فى مجال استدامة النظم الغذائية، وإتاحة الغذاء، خصوصا زيادة الإنتاجية الزراعية وإتاحة البروتين لكل فئات المستهلكين فى مصر، كما أنه يتابع كل التطورات التى تم إنجازها فى الكثير من القضايا المرتبطة بملف الغذاء.
الرقعة الزراعية
من جهته يشيد الدكتور أحمد شاهين، عضو مجلس الشيوخ، بالخطة الإستراتيجية التى تنتهجها الحكومة المصرية، لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية، التى تجتاح العالم منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، لافتا النظر إلى أنها ترتكز على عدة محاور رئيسية، منها زيادة الرقعة الزراعية وتعزيز قيمة المنتج والصناعة المحلية، وكذلك استمرار الحفاظ على البعد الاجتماعى، وأضاف شاهين: الحكومة خصصت مليارات الجنيهات لمواجهة التداعيات السلبية المباشرة، التى نتجت عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية كالقمح والزيت والسكر والأرز، إضافةً إلى مبالغ أخرى لمواجهة التداعيات غير المباشرة، مثل زيادة الأجور والمرتبات والمعاشات ودعم الطاقة، ويقول: كل تلك الإجراءات وغيرها أسهمت فى تخفيف حدة الأزمة على الشعب المصرى، مؤكدا قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى، ومواصلة المضى قدما نحو تحقيق التنمية المستدامة.
الأقل دخلاً
من جهتها تؤكد الدكتورة حنان أبو سكين، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أنه بجانب الجهود التى تبذل من الأجهزة الحكومية لتحقيق الأمن الغذائى، هناك جهود كبيرة تبذل لرعاية الفئات الأقل دخلاً فى المجتمع، فى إطار حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، على تحسين مستوى معيشة الأسر الأولى بالرعاية من خلال التوسع فى إجراءات الحماية الاجتماعية لمجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وفى مقدمتها برنامج تكافل وكرامة، ومبادرة حياة كريمة، وأضافت الدكتورة حنان أبو سكين هناك دور ملموس للحكومة فى أثناء الأزمات الاقتصادية، ففى وقت جائحة كورونا، وفرت دعما نقديا ومساعدات للعمالة غير المنتظمة، وتمتد إجراءات الحماية الاجتماعية مع تصاعد أزمة الحرب فى أوكرانيا، لتشمل دعما استثنائيا على بطاقات التموين، زيادة أعداد الأسر المُغطاة بالدعم النقدى ضمن برنامج “تكافل وكرامة” وكذلك توفير اعتماد مالى لدعم عدد من السلع الإستراتيجية، وفى مقدمتها زيادة الدعم لمنظومة رغيف الخبز وعدم المساس بسعره.
مشروعات عملاقة
بدوره يرى الخبير الاقتصادى أيمن رضا، الأمين العام لجمعية مستثمرى العاشر من رمضان، أن الحكومة المصرية تقوم بعمل رائع وناحج فى مواجهة أزمة الغذاء العالمية، وهذا النجاح نتاج عمل دءوب ورؤية مستقبلية من القيادة السياسية منذ عام 2014، ومواجهة التحديات التى تواجه قطاع الزراعة فى مصر، التى من أهمها ندرة المياه ومحدودية الأرض الزراعية، بالإضافة إلى الزيادة السكانية، وذلك من خلال تدشين مشروعات عملاقة مثل الصوب الزراعية واستصلاح الأراضى مع تنويع مصادر المياه وإنشاء محطات ضخمة لمعالجة مياه الصرف، بالإضافة إلى مشروع تبطين الترع وتحديث نظم الرى لترشيد المياه.
دول الخليج
استفادت دول مجلس التعاون الخليجى، المنتجة للنفط والغاز من الارتفاع فى أسعار الطاقة منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، بتخصيص مبالغ مالية ضخمة لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، أبرزها ما شهدته المملكة العربية السعودية بصدور أمر ملكى من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بتخصيص دعم مالى قدره 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) لمواجهة الأزمة، وصدر الأمر بناء على ما رفعه ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، على ضوء دراسة مجلس الشؤون الاقتصادية برئاسته لتطورات الأوضاع الاقتصادية فى العالم، وسبل حماية الأسر المستحقة فى المملكة من التأثر بتداعياتها.
كما شهدت مملكة البحرين أخيرا، إصدار الملك حمد بن عيسى آل خليفة، توجيها للحكومة بصرف مبلغ شهر إضافى من الدعم المالى للأسر محدودة الدخل (علاوة الغلاء)، لمواجهة آثار ارتفاع الأسعار العالمية. واستفادت أكثرمن128 ألفأسرة من هذا القرار .
وخصصت سلطنة عمان استثمارات تصل إلى 1.3 مليار ريال عمانى (3.4 مليار دولار)، لتحقيق الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى خلال الفترة المقبلة لتنفيذ 128 مبادرة ومشروعًا، ضمت 37 فى القطاع النباتى، و29 فى القطاع الحيوانى، و28 فى القطاع السمكى، و8 فى قطاع موارد المياه.
فى حين اتجه مجلس الوزراء الكويتى، إلى تشكيل لجنة وزارية تسمى «لجنة تعزيز منظومة الأمن الغذائى»، للنظر فى كافة الأمور المتصلة بالأمن الغذائى والمائى بالدولة، وتخصيص الاعتمادات المالية لتوفير ما يلزم البلاد من سلع إستراتيجية، وتستورد دولة الكويت نحو 95 % من المواد الغذائية، وأظهرت بيانات الإدارة المركزية للإحصاء فى الكويت، ارتفاع الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين بنسبة 4.15 %، خلال شهر أغسطس الماضى على أساس سنوى، وارتفعت الأغذية والمشروبات فى أغسطس الماضى بنسبة 6.89 % مقارنة بالشهر ذاته من 2021.
ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن قائمة الدول التى يمتلك جميع سكانها، دون استثناء قدرة تحمل كلفة النمط الغذائى الصحى، وذلك وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة. وأشارت المنظمة فى تقرير صدر أخيراً تحت عنوان حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم 2022، كما تصدر الإمارات دول الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا فى المؤشر العالمى لقائمة الأمن الغذائى لعام 2022، واحتلت المرتبة 23 عالميًا، متقدمة بذلك 12 درجة مقارنة بالعام الماضى، وبلغ معدل استيراد الأغذية فى الإمارات خلال النصف الأول من العام الجارى ما يزيد على 41 ألف طن من الأغذية يومياً، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 21 %، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وقالت مريم بنت محمد المهيرى، وزيرة التغير المناخى والبيئة فى الحكومة الإماراتية: إن ملف الأمن الغذائى يحظى بأولوية إستراتيجية فى الدولة، لذا يتم العمل عبر منظومة متكاملة، تشمل اعتماد إستراتيجيات وطنية وإيجاد بنية تشريعية وقانونية داعمة، لافتة النظر إلى أن الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائى لعام 2051، فى دولة الإمارات، تهدف إلى تطوير منظومة وطنية شاملة، تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، من خلال توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الإنتاج المحلى، وتنمية الشراكات الدولية لتنويع مصادر الغذاء.
لبنان والسودان
ووفقاً لتقرير حديث صادر من البنك الدولى، يعانى الشعب اللبنانى كثيرا من تأثيرات الحرب فى أوكرانيا على اقتصاده، ومدى توافر السلع الغذائية الرئيسة كالقمح والذرة والشعير، لاسيما بعد تدمير صوامع حفظ الغلال، إثر انفجار مرفأ بيروت فى عام 2020، ووفقاً لتقرير حديث صادر من البنك الدولى، وتأتى لبنان فى صدارة قائمة أكثر 10 دول متأثرة بالحرب على أمنها الغذائى، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الغذائى بشكل ملحوظ فى الربع الثانى من العام الجارى، بنحو 216 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى.
ولا يختلف الحال كثيرا فى السودان، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 140 %، ويعانى ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائى، وتنفق غالبية الأسر فى السودان، ما لا يقل عن ثلثى نفقاتها على الغذاء وحده، تاركة القليل المتبقى لتغطية الاحتياجات الأساسية الأخرى. ووفقًا لصندوق النقد الدولى، تعد السودان من بين بؤر الجوع الساخنة فى العالم وفقا لتصنيف منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمى، وهى أيضا من بين 48 دولة تعد الأكثر تضررًا من أزمة الغذاء العالمية.
الصومال واليمن وفلسطين
منذ سنوات ومشاهد معاناة الشعب الصومالى، من الجوع وندرة المواد الغذائية، هى العنوان الأبرز فى نشرات الأخبار، لذا لم يكن غريبا أن تتذيل الصومال الترتيب فى قائمة دول العالم، على مؤشر الأمن الغذائى خلال الربع الثانى من 2022، ليصبح الشعب الأكثر معاناة على مستوى العالم، يليه السودان فى المركز قبل الأخير، ثمّ اليمن وموريتانيا وسوريا وجيبوتى وليبيا على الترتيب، وكشف تقرير صادر عن البنك الدولى عن أن استمرار النزاع المسلح، والنزوح فى بعض الدول يؤدى إلى تأجيج انعدام الأمن الغذائى، فعلى سبيل المثال أبلغت المناطق الشمالية والجنوبية من اليمن، فى مايو 2022، عن زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء بنسبة 50 %، فى مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى، وفى فلسطين، يعانى ما يقرب من 1.8 مليون شخص، يشكلون 31.2 % من الأسر، من انعدام الأمن الغذائى المعتدل أو الشديد، نتيجة الصراع المسلح طويل الأمد.
تونس والمغرب والأردن
ومن الدول العربية التى طرقت أبواب مؤسسات التمويل الدولية، للحصول على قروض تعينها على مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، تونس, التى حصلت على تمويل بقيمة 130 مليون دولار، من البنك الدولى، للتخفيف من تأثير الحرب فى أوكرانيا، عبر تمويل واردات القمح والشعير اللازم لإنتاج الألبان، فضلاً عن دعم الفلاحين من أصحاب الأراضى الصغيرة بالبذور للموسم الزراعى المقبل، فضلًا عن تمويل بقيمة 20 مليون يورو من المفوضية الأوروبية، كما خاضت تونس مفاوضات مطولة مع صندوق النقد الدولى، توصلت على إثرها فى منتصف أكتوبر 2022 إلى اتفاق بقيمة 1.9 مليار دولار على 48 شهراً.
كما استفادت دولة المغرب من تمويل بقيمة 15 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، لمعالجة تداعيات ارتفاع أسعار الأغذية والسلع الأساسية بعد الحرب الروسية، كجزء من مبادرة للمفوضية الأوروبية، تم الإعلان عنها فى أبريل الماضى بقيمة 225 مليون يورو، لتلبية الاحتياجات الغذائية على المدى القصير والمتوسط للشركاء فى الجوار الجنوبى.
وأبرمت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، أخيرا اتفاقية تمويل مشروع للأمن الغذائى بقيمة 100 مليون دولار، مع صندوق أوبك للتنمية الدولية تهدف إلى توفير السلع الإستراتيجية من القمح والشعير لتعزيز منظومة الأمن الغذائى فى البلاد التى شهدت ارتفاع لافت لأسعار حزمة من السلع الغذائية .
العراق والجزائر
أعداد من يعانون من نار ارتفاع أسعار المواد الغذائية فى العراق، تتزايد على الرغم نمو حجم صادراته من النفط، لنحو 4.651 مليون برميل يوميا، ويرجع ذلك لاعتماد بلاد الرافدين على الاستيراد بسبب موجة جفاف متزايدة خلال العامين الماضيين، أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار وهو الأدنى منذ 40 عامًا، بالإضافة إلى انخفاض تدفق المياه فى نهرى دجلة والفرات، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” وبرنامج الأغذية العالمى، فإن العراق يعد من أكثر البلدان تأثراً على مستوى العالم، بالآثار الضارة لتغير المناخ, وانعكس ذلك على تراجع لافت للنظر فى حجم الإنتاج الزراعى، وارتفاع كبيرة فى أسعار غالبية السلع الغذائية، ودعت المنظمة الحكومة العراقية إلى اعتماد أنظمة غذائية ذكية مناخياً.
دولة الجزائر هى الأخرى، بالرغم من نمو حجم صادراتها من الغاز والنفط، فإنها تعانى بسبب التغيرات المناخية وتأثيراتها على حجم إنتاجها من المواد الغذائية فبعد موجة الحرائق التى دمرت مساحات شاسعة من الغابات خلال الفترة الماضية، عانى كثير من الأسر من ارتفاع أسعار الغذاء، وهو ما دفع بالحكومة الجزائرية إلى منع تصدير السكر والمعجنات والزيوت، وكل مشتقات القمح. وتجريم تصدير المواد غير المنتجة محليا، باعتباره عملا تخريبيا، للاقتصاد الوطنى، وحفزت الحكومة الفلاحين على مضاعفة الإنتاج من القمح، والحبوب الجافة، ووفرت لهم الدعم بالقروض والأسمدة ومزايا أخرى.



